الأربعاء، 26 مايو 2010

التيارات السياسية في موريتانيا – أدوار لم تكتمل .

ملاحظة أولية : يمتاز هذا الكتاب بميزات ، أكثرها سطوعا هو أنه يبحث موضوع التيارات السياسية في موريتانيا في فترة مفصلية من تاريخها السياسي ، فهو كتاب ينتزع من الواقع حقه في الظهور . وكما هو معلوم فإن توقيت صدور أي كتاب هو جزء من ذلك الكتاب . ثم هو إلى جانب توقيته ، يعكس واقع و مستقبل صناعة الكتاب في موريتانيا بجميع مراحلها من نشوء الفكرة وحتى تصميم الغلاف .

التقديم

إن فكرة التيارات السياسية وأدوارها التي لم تكتمل تقوم على رؤية مؤداها أن القضايا التي أدت إلى ظهور هذه التيارات من قبل مازالت قضايا مطروحة لم تحسم بعد ، وبناء عليه فإن الأدوار المفترض أن تلعبها هذه التيارات مازالت ناقصة لم تصل بعد إلى نتيجة ، هذا في ما يتعلق بالعنوان تحديدا .. إن الكتاب كما حرصت على أن أبين في مقدمته إسهام في تطوير الوعي السياسي العام ومحاولة للتخفيف من الحيرة التي يعيشها الجيل الجديد من الشباب الموريتاني الذي وجد نفسه فجأة مدعوا لأن يختار قيادته بنفسه في وقت لم يكن فيه مستعدا تماما للاختيار السليم ، لسبب بسيط وهو افتقاره لمعايير ثابتة ومنطلقات محددة للاجتهاد . ثم بينت كذلك أن هذا الكتاب هو توطئة وتمهيد لمشروع دراسة العقل السياسي الموريتاني لن يستغني عنه أي باحث جاد في المستقبل لأنه يستعرض الأنساق الثقافية المؤدلجة من حيث هي أدوات لإنتاج الفعل السياسي .

ألمحت كذلك إلى المنهجية التي اتبعتها وتقيدت بها في كامل البحث فقد قسمت التيارات السياسية في موريتانيا على أساس الهموم التي انطلق منها طرحها إلى تيارات وطنية وتيارات فوق وطنية ( أممية ) .

الفصل الأول هو عن التيارات الوطنية ( والوطنية هنا انتساب وليست تمثيلا ) وهي التيارات التي ينبثق طرحها من هموم ومعطيات محلية .. وفي واقع الأمر فإن القضية الأولى التي تأسست حولها هذه التيارات وأججت أوارها هي قضية الهوية ولقد كنت أعتقد ولا أزال، أن أكبر وأخطر سؤال واجهه الموريتانيون كشعب هو السؤال المتعلق بالهوية، أي : من نحن ؟ وهو سؤال لا يمكن القفز عليه ولا تخطيه هكذا بمجرد موعظة حول الوطنية والمواطنة ، ذلك أن الإجابة على هذا السؤال تحدد أيضا ماذا نريد وإلى أين نتجه وأي استراتيجية سنتبع ، إنه سؤال يختزل الماضي والحاضر والمستقبل معا . في هذا الفصل تحدثت عن التيارين العروبي والفرانكفوني وكيف نشآ وتطورا في هذا البلد حول هذه القضية ، ومن المعلوم بطبيعة الحال أن العروبية بوصفها حالة شعورية هي راية الانتماء العربي ، والقومية بوصفها التزام سياسي هي إيديولوجيا للتعبئة الجماعية ، هذه شبه مسلمات ، لكن كم من مثقفينا يدرك كيف انقلبت الفرانكفونية من نسق ثقافي إلى إيديولوجيا ممانعة ومدافعة ضد سياسة يرى البعض أنها تتمحور حول الدمج الثقافي أو التذويب الثقافي .. وقد وضحت في المقدمة طبيعة هذا التجاذب وقلت إن حالة التجاذب على مستوى الهوية أصبحت جزءا من شخصية موريتانيا الحضارية وأكدت على أن إدارة هذا التجاذب أسلم من محاولة حسمه . وتحدثت بالتفصيل بعد ذلك عن التيارين كل على حدة :

أولا : التيار العروبي

وطأت الحديث حول هذا التيار بمقدمة عن المرجعية الحضارية حيث بينت أن ربط هذا التيار بفكرة القومية العربية التي ازدهرت ونشأت في المشرق نتيجة لظروف سياسية معينة هو ربط يغفل بعض الحقائق المتعلقة بالتغييرات الإجتماعيى الكبيرة التي حدثت في هذا البلد مع نهاية القرن السابع عشر والتي تتمثل في حركة تعرب اختياري عرفها سكان هذا البلد وخاصة المجتمع " الزاوي" . وتحدثت عن مراحل هذا التعرب الثلاث وهي مرحلة تعريب الأنساب ومرحلة تعريب اللسان ومرحلة تعريب الواقع . ثم تحدثت عن تيار القومية العربية في موريتانيا وملابسات ظهوره وعرفت بفكرة القومية العربية ، ثم تحدثت عن نشاة حركة القوميين العرب في موريتانيا وروادها الأوائل وتحدثت كذلك عن الناصرية وحزب البعث العربي الإشتراكي والأحداث التي واكبت ظهور كل منهما في موريتانيا ، وعلاقة حزب البعث بالحراطين ، ووضحت كيف أن الصخب القائم حول الرق يخفي وراءه أزمة بحث عن الذات ومعاناة من التمزق على مستوى الهوية مسترشدا بعبارة هامة لأحد الباحثين تعبر عن التمزق بين الحضارة والكينونة " أرفض هويتي الإفريقية عندما أفكر وأرفض هويتي العربية عندما أكون " .. وقد خلصت إلى نتائج هامة في هذه الناحية أتمنى أن تحظى بقراءة متأنية .

ثانيا : التيار الفرانكفوني :

قدمت له بسرد حول ملابسات نشأة هذا التيار حيث ذكرت أنه في نهاية القرن التاسع عشر كانت هناك شبه بورجوازية من البيظان تقيم أغلب فصول السنة في اندر ( سان لويس) تتألف أساسا من تجار ووسطاء وزعماء عشائريين . ( وفي نظري أن مدينة اندر ( سان لويس ) لعبت في الإرتباط بالثقافة الفرانكفونية نفس الدور الذي لعبته مدينة شنقيط من قبل في الإرتباط بالثقافة العربية الإسلامية .) بينت بعد ذلك أن ما أسميته بمأساة كابولاني يلخص في واقع الأمر تفاصيل عزل موريتانيا عن شمال إفريقيا وربطها بإفريقيا الغربية وبحكومة سان لويس تحديدا من منطلق أن كابولاني كان يمثل المدرسة الاستعمارية الجزائرية. تحدثت عن بنية التيار الفرانكفوني وشرحت كيف أن تخندق بعض البيظان في خندق الفرانكفونية يعكس أحيانا قلقا على الخصوصية المحلية ، إذ يعتبرون أن التعريب تجاوز حدوده حتى أصبحت القضية تمشرقا يهدد بطمس كل الخصوصيات وحيث أضحت مسألة التعريب مجرد تسطح بهدف التطابق مع النموذج المشرقي وتبني قضاياه وإغفال القضايا الخاصة . ثم تحدثت عن البعد الإثني للفرانكفونية الموريتانية وهنا بطبيعة الحال تركز الحديث عن القضية الزنجية موضحا كيف انتقلت الحركة الزنجية بالثقافة الفرنسية من مجرد مرجعية إلى إيديولوجيا احتماء ودفع ضد محاولات تعريب تقوم بها الأغلبية العربية ..وتحدثت بإسهاب عن الحركة الزنجية وتطوراتها والأحداث التي مرت بها ، وكذلك عن نشوء وتطور جبهة تحرير الأفارقة السود في موريتانيا المعروفة ب" افلام " وسياساتها العامة المستندة على منحيين المنحي الثقافي الذي يتلخص في في مقاطعة اللغة والثقافة العربية مقاطعة تامة ، والمنحى السياسي المتمثل في إثارة الرأي العام الدولي ووضع القضية في إطار تمييز عنصري . وقد وضحت انعكاسات كل ذلك على مسيرة البلد وعلى مشروع الدولة الوطنية ، واختتمت هذا الفصل بموقف الحركة الزنجية من العملية السياسية التي جرت في البلاد مؤخرا .

أما الفصل الثاني فهو عن التيارات الأممية وقد أوردته تحت عنوان التيارات الفوق الوطنية Ultra-nationals وتحدثت هنا عن التيار اليساري والتيار الإسلامي ،

التيار اليساري

وفي الجزء الأول من هذا الفصل المتعلق بالتيار اليساري قمت بتقديم حول ما إذا كانت الماركسية في موريتانيا هي تجل لوعي اشتراكي أم أنها مجرد دور يمثله بعض الأشخاص باعتبارها مقعدا شاغرا يجب أن يملأه أحد ما ، وقد مهدت لهذا التقديم بالتساؤل التالي : الماركسية في موريتانيا.. وعي اشتراكي، أم لعبة مواقع ؟ وخلصت في نهاية المقدمة إلى أن " الكدحة " بصيغتها وشكلها الذي ظهرت به هي كلمة الموريتانيين في الإشتراكية وقلت بان الموريتانيين وإن كانوا لم يقولوا كلمتهم في الإشتراكية في الكتب أو الصحف كما فعلت كل شعوب العالم ، إلا أنهم قالوها بطريقتهم ، قالوها بتلقائية البدو وعفويتهم فقد كان انضمام تلك الحشود الكبيرة من البسطاء إلى تيار " الكدحة " هو التجسيد الحي لرؤيتهم للاشتراكية . ثم تحدثت عن نشأة حزب الكادحين وتطوره ملفتا الانتباه أولا إلى أنه جسد مفهوم " الكتلة التاريخية " على أرض الواقع بطريقة تلقائية ، وأنه ائتلاف من أربع فئات قادها التحمس للمد الثوري الإشتراكي في نهاية الستينات إلى الانصهار في جبهة نضالية موحدة . وهذه الفئات هي : حركة القوميين العرب ، مجموعة ازويرات ، اللجنة المؤقتة للعمل المدرسي وأخيرا الاتحاد العام للطلاب ولمتدربين الموريتانيين وهو بدوره إتلاف بين الإتحاد العام للطلاب الموريتانيين ورابطة الطلاب والمتدربين الموريتانيين . تحدثت أيضا عن نضال حزب الكادحين ومطالبه ، ثم ناقشت قضية انشقاق حزب الكادحين وانفراد الحركة الوطنية الديموقراطية MND بحمل لواء اليسار وتحدثت أيضا عن التحالف من أجل موريتانيا ديموقراطية ودور كل منهما في الأحداث التي عرفتها البلاد في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات .

التيار الإسلامي

الجزء الثاني من فصل التيارات الفوق وطنية كان عن التيار الإسلامي في موريتانيا ، وقد قدمت له بحديث عن الصحوة الإسلامية ماهيتها ونشوءها ، حيث استعرضت آراء أهم المدارس الفكرية التي فسرت الظاهرة الإسلامية والنقاشات الدائرة حول المضامين العامة لهذه الظاهرة وأسباب انتشارها وتطورها مقابلا بين مقاربات الباحثين من داخل الصحوة والباحثين من خارجها . بعد تلك المقدمة بدأت الحديث عن الجذور التاريخية للتيار الإسلامي في موريتانيا حيث أوضحت الخلط الذي وقع فيه بعض الدارسين للتيار في موريتانيا الذي يجنحون دوما عند الحديث عن جذوره إلى الخوض في تفاصيل دخول الإسلام إلى موريتانيا ودولة المرابطين ودورها في نشر الإسلام والدعوة له . حيث بينت أن هذا هو السند الحضاري لأي إشكال له علاقة بالإسلام وليس هو الجذور التاريخية لتيار سياسي ولو كانت مرجعيته إسلامية ، وأوضحت أن الجذور التاريخية لهذا التيار هي نفس جذوره في المشرق ، فهو امتداد للمشروع الذي صاغته ودافعت عنه الحركات الإسلامية في المشرق وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في مصر . أوضحت بعد ذلك أن التيار الإسلامي في موريتانيا ينقسم إلى مدرستين هما المدرسة السلفية و الاتجاه التجديدي.. ثم قسمت مسيرة الحركة إلى حقبتين :

حقبة وداعة ، تبد من 1975 وحتى 1993 وحقبة توثب ، من 1993 إلى الآن .

ناقشت نشأة الحركة الإسلامية في موريتانيا وأكدت أنها ظهرت سنة 1975 وليس 1978 كما ذهب إليه بعض الذين تعرضوا لهذا الأمر . موضحا أن يناير 1978 كان تاريخ أول مسيرة قام بها التيار وليس تاريخ نشأة الحركة . استعرضت بعد ذلك أهم التطورات التي واكبت ظهور الحركة الإسلامية وبالذات فيما يتعلق بتحول اهتمامها من مجال المطالبة بتطبيق الشريعة إلى السعي للمشاركة في الحكم ، مبرزا الملابسات التي اكتنفت ظهور وتلاشي حزب الأمة وبروز ثلاث جبهات بعد أزمة رفض الترخيص لحزب الأمة . حيث برز إلى جانب السلفية التقليدية و الاتجاه التجديدي الإخواني اتجاه ثالث جديد رافض للديموقراطية كلا وتفصيلا وهذا هو الاتجاه الذي عرف فيما بعد بالسلفية الجهادية ..

وقد ناقشت السلفية الجهادية رؤية ومنهجا مركزا الحديث على تطور ما يعرف بالسلفية القطبية وكيف اندمجت بالوهابية ببعديها العقدي والتاريخي الذي قاد إلى الاتجاه الجهادي المعروف الآن . وقد تحدثت عن ظهور هذا الاتجاه في موريتانيا واستعرضت من خلال تنظيرات لبعضهم موقفهم من المبادئ التي قامت عليها الديموقراطية من قبيل الحرية الفردية والمساواة بل وقضية سيادة الشعب .. وأوضحت كذلك العلاقة بين قيام السلفية الجهادية والجمعية الثقافية الإسلامية التي اعتبرها بعض رموز هذا الاتجاه بأنها " كانت بحق الأم الرؤوم للصحوة في موريتانيا " والتي حلت سنة 1993 في خضم الإعتقالات التي طالت بعض عناصر هذا الاتجاه في تلك السنة .

في الخاتمة تعرضت للعراقيل التي تعترض الباحث في قضايا لاتزال ساخنة ولا يزال المعنيون بها شهودا يتحركون على خشبة المسرح السياسي .. وخلصت بعد استعراض لأهم محطات البحث إلى أن أكبر وأهم إنجاز تحقق في هذا البلد هو قيام الدولة الموريتانية ، وأن ذلك كان حلما راود أجدادنا طوال القرون السابقة . وقلت إن التحدي أمامنا هو ببساطة كيف نصبح دولة قوية متماسكة وأوضحت أن التخلف والفقر ليسا قدرا أبديا وأن دولا عديدة قفزت في القرن العشرين من قاع الفقر إلى مصاف الدول العظيمة ، وفي هذا القرن سوف تقع حالات مماثلة، واختتمت متسائلا لماذا لا نعد أنفسنا لهذا الأمر من اليوم؟

كتاب : التيارات السياسية في موريتانيا – أدوار لم تكتمل .

للمؤلف : إسماعيل محمد خيرات .

المطبعة : المطبعة العصرية بانواكشوط .

عدد الصفحات : 144 الحجم المتوسط

فبراير 2007. الإيداع : 856\2007.
ـــــــــــــــــــ
المصدر
ــــــــــــــــــــــــــــ
تحرير الرسالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق